فصل: قال في ملاك التأويل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في هل:
وهى كلمةُ استفهامٍ، وقيل: حرفُ استِخْبارٍ، أَمّا على سبيل الاستِفْهام فذلك لا يكونُ من اللهِ تعالى. وقيل: حرفٌ موضوع لِطَلَب التصديق الإِيجابِيّ دون التَصَوُّرِ ودُونَ التَّصْدِيق السَّلْبيّ، فيمتنع نحو هَلْ زَيْدًا ضَرَبْتَ، لأَن تقديم الاسمِ يُشْعِر بحصول التَّصديق بنفس النِّسْبة.
ونحو: هل زيدٌ قائم أَم عَمْروٌ، إِذا أَريد بأَمْ المتَّصلة، وهلْ لم يَقُمْ زيدٌ.
ونظيرها في الاختصاص بطَلَب التَّصْدِيق أَمْ المنقطعة، وعكسها أَمْ المتَّصِلة، وجميع أَسماءِ الاستفهام فإِنهنَّ لطَلَبِ التصورّ ليس غير. وأَعمّ من الجميع الهمزةُ فإِنَّها مشتركة بين الطلبين.
وتفترق: {هَلْ} من الهمزة من عشرة أَوجه:
أَحدها: اختصاصُها بالتَّصديق.
والثانى: اختصاصُها بالإِيجاب، تقول: هل قامَ دون هل لم يقم، بخلاف الهمزة نحو: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ}،: {أَلَنْ يَكْفِيكُمْ}،: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}.
الثالث: تخصِيصُها المضارعَ بالاستقبال نحو: هل يُسافر.
الرّابع والخامس والسّادس: أَنَّها لا تدخلُ على الشرط، ولا على: {إِنَّ} ولا على اسمٍ بعده فِعْل، بخلاف الهمزة، بدليل: {أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}،: {أَإِن ذُكِّرْتُم}،: {أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ}،: {أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ}.
والسّابع والثامن: أَنها تقع بعد العاطِف لا قبله، وبعد أَم نحو: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}، وقال تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}.
التاسع: أَنها يُراد بالاستفهام بها النَّفْىُ، ولذلك دخلت على الخبر بعدها إِلاَّ نحو: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ}،: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ}،: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ}.
العاشر: أَنَّها تأْتى بمعنى قَدْ، وذلك مع الفعل، وبذلك فَسَّر قولَه تعالى: {هَلْ
أَتَى عَلَى الإِنسَانِ} جماعةٌ منهم ابنُ عباسٍ والفرّاءُ والكسائيّ والمَبَرِّدُ، وبالغ الزمخشريّ أَنَّها بمعنى قد أَبدًا، وأَن الاستفهام هو مستفادٌ من همزة مقدّرة معها، ونقله عن سيبويه فقال في المفَصَّل: وعند سيبويه أَنَّ هل بمعنى قد، إِلاَّ أَنَّهم تركوا الأَلف قبلَها لأَنَّها لا تَقَع إِلاَّ في الاستفهام.
وقد جاءَ دخولُها عليها في قَوْله:
سائل فوارِسَ يَرْبُوع بشدّتِنَا ** أَهَلْ رأَونا بسَفْح القاع ذى الأَكَمِ

وقال في الكشَّاف: هل أَتى، أَي قد أَتَى على معنى التقرِيرِ والتقريب جميعًا، أَي أَتَى على الإِنسان قبل زمان قريب طائفةٌ من الزمّان الطويل الممتد لم يكن فيه شيئًا مذكورًا، بل شيئًا منسيًّا، نطفة في الأَصلاب.
والمراد بالإِنسان الجِنْس بدليل: {إِنَّ خَلَقْنا الإِنْسانَ من نُطْفَة}.
وفَسَّرها غيرُه بقَدْ خاصّةً ولم يحمِلُوا قد على معنى التقريب بل على معنى التحقيق.
وقال بعضهم: معناها التَوَقُّع، كأَنَّه قيل لقوم يتوقَّعُون الخبرَ عن ما أَتَى على الإِنسان وهو آدمُ.
والحِين: زَمَن كان طِينًا.
وعكس قومٌ ما قاله الزمخشريّ وقالوا: إِنَّ هل لا تأْتِى بمعنى قد أَصْلًا، وهذا هو الصّواب عند كثيرين.
وأُدْخِلَت عليها الأَلفُ والَّلام، قيل لأَبى الدُّقَيْشِ: هَلْ لَكَ في زُبْد وتَمْر فقال: أَشَدُّ الهَلِّ.
وثَقَّلَه لتَكْمُلَ عِدَّةُ حُروف الأُصول.
وأَلْ لغة في هَلْ.
وهَلاَّ كلمةُ تَحْضِيض مركَّبة من هَلْ ولا، وتدخلُ على الفعل، وإِنْ دخلت على اسم فلابد من تقديرٍ كقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فهلاَّ بِكْرًا» أَي هَلاَّ تَزَوَّجْتَ.
وحَيَّهَلَ الثَّرِيدَ، أَي هَلُمَّ. وحَيّ هَلَ الصّلاة، أَي ائتوهَا. وَحَيّ هَلكَ، أَي رُوْيدك. قالوا: وتصغيره هُلَيْل وهُلَيّة، وهُلَيّ. قال بعضُ المفسّرين: هل ترد في التنزيل على سبعة أَوجه:
الأَوّل: بمعنى قَدْ، وهو كلُّ موضع يكون بعده أَتَى كما تقدّم في: {هَلْ أَتَى} و: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}،: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ}،: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ}،: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى}، وله نظائر.
الثَّانى: بمعنى ما النافِية، وهذا في كلِّ موضع يتلوه إِلاَّ، نحو: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ}.
الثالث: بمعنى لَمْ وهذا في كلِّ محلٍّ يكون بعده لا، نحو: هَلاَّ فَعَلْتَ كذا، وهَلاَّ قُلْتَ كذا.
الرّابع: بمعنى النَّفْى نحو: {هَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَا}.
الخامسُ: لِتَقْرِيرِ القَسَمِ نحو قوله تعالى: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ}.
السّادس: بمعنى الأَمْر إِذا اقْترن بفِعْل يدلُّ على معنى الأَمْرِ نحو قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ}، أَي انْتَهْوا،: {فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} أَي أَسْلِموا.
السّابع: بمعنى السّؤال والاستفهام: {فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} [الرعد: 16]، وفي سورة الفرقان: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الفرقان: 3]، للسائل أن يسأل عن تقديم النفع على الضر في سورة الرعد وعكس ذلك في سورة الفرقان؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن آية الفرقان قد عطف عليها بالواو المشركة في الإعراب والمعنى قوله تعالى: {وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا}، وقدم قبلها ما عطفت عليه بالواو أيضًا وذلك قوله تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الفرقان: 3]، فقد اتفقت هذه الجمل المعطوفات في انطواء كل جملة منها على متقابلين كالضدين، ففي الأولى عدم الخلق في قوله: {لَا يَخْلُقُونَ} مقابلًا للخلق والحياة، وبنى مجموعها على تأخير أشرف المتقابلين، ففي الأولى الإشارة إلى الخلق في قوله تعال: {وَهُمْ يُخْلَقُونَ}، وكذا في الثانية الضر والنفع والنفع أشرف، وفي الثالثة الموت والحياة والحياة أشرف، فروعي تناسب الآي على ما أوضحنا، فقدم الضر على النفع في آية الفرقان.
أما آية الرعد فلم يعرض فيها ما يحمل على ما ذكر من التناسب فجاءت من حيث أفردت على ما يجب من تقديم النفع الذي هو مطلب العاقل، وكأن قد قيل فيها: إذا لم ينفعوا أنفسهم فكيف ينفعونكم؟ ثم أتبع بما يكمل به التعريف بحال من اتخذوهم أولياء من أنها لا تضر ولا تنفع، فجاء كل على ما يجب ويناسب، ولا يمكن خلافه.
فإن قلت: إذا كان تقديم النفع-كما في سورة الرعد- واردًا على ما يجب من حيث هو الذي تطلبه نفوس العقلاء فلم بنيت تلك الجمل المعطوفات في آية سورة الفرقان على تأخير الأشرف في تلك المتقابلات حتى لزم أن يتقدم فيها الضر قبل النفع ليتناسب؟ وهلا كان بناؤها على عكس ذلك وكان يحسن التقابل وورود النفع قبل الضر كما في آية الرعد؟ قلت: لما تقدم قبل الجمل المذكورة في سورة الفرقان قوله سبحانه: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2]، ناسب هذا من ذكر آلهتهم وصفها بأنها لا تخلق فقيل: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الفرقان: 3]، ليحصل من وصفه سبحانه بأنه خالق كل شيء وأن آلهتهم لا تخلق شيئًا ما أفصح به من توبيخهم وتقريعهم في قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [النحل: 17]، وتناسب هذا أوضح تناسب وأبينه، ولا يمكن خلافه، ثم بني عليه ما بعده لتناسب ذلك كله، وحصل منه أن الوارد في كل من السورتين لا يمكن فيه العكس بوجه، ولابنا سبحانه أعلم بما أراد. اهـ.
بحوث ذكرها صاحب الأمثل:
1- الخالقية والرّبوبية يتطلبّان العبادة:
يمكن أن يستفاد من الآية أعلاه أنّ الخالق هو الربّ المدبّر، لأنّ الخلقة أمرٌ مستمر ودائمي، وليس من خلق الكائنات يتركهم وشأنهم، بل إنّه تعالى يفيض بالوجود عليهم باستمرار وكلّ شيء يأخذ وجوده من ذاته المقدّسة، وعلى هذا فنظام الخلقة وتدبير العالم كلّها بيد الله، ولهذا السبب يكون هو النافع والضارّ. وغيره لا يملك شيء إلاّ منه، فهل يوجد أحدٌ غير الله أحقّ بالعبادة؟
2- كيف يسأل ويجيب بنفسه؟
بالنظر إلى الآية أعلاه يطرح هذا السؤال: كيف أمر الله نبيّه أن يسأل المشركين: من خلق السماوات والأرض؟ وبعدها بدون أن ينتظر منهم الجواب يأمر النّبي أن يجيب هو على السؤال... وبدون فاصلة يوبّخ المشركين على عبادتهم الأصنام، أي طراز هذا في السؤال والجواب؟
ولكن مع الإلتفات إلى هذه النقطة يتّضح لنا الجواب وهو أنّه في بعض الأحيان يكون الجواب للسؤال واضح جدًّا ولا يحتاج إلى الإنتظار. فمثلا نسأل أحدًا: هل الوقت الآن ليل أم نهار؟ وبلا فاصلة نجيب نحن على السؤال فنقول: الوقت بالتأكيد ليل. وهذه كناية لطيفة، حيث أنّ الموضوع واضح جدًّا ولا يحتاج إلى الإنتظار للجواب، بالإضافة إلى أنّ المشركين يعتقدون بخلق الله للعالم ولم يقولوا أبدًا أنّ الأصنام خالقة السّماء والأرض، بل كانوا يعتقدون بشفاعتهم وقدرتهم على نفع الإنسان ودفع الضرر عنه، ولهذا السبب كانوا يعبدوهم. وبما أنّ الخالقية غير منفصلة عن الرّبوبية يمكن أن نُخاطب المشركين بهذا الحديث ونقول: أنتم الذين تقولون بأنّ الله خالق، يجب أن تعرفوا أنّ الربوبية لله كذلك، ويختصّ بالعبادة أيضًا لذلك.
3- العين المبصرة ونور الشمس شرطان ضروريان:
يشير ظاهر المثالين {الأعمى والبصير} و{الظّلمات والنّور} إلى هذه الحقيقة، وهي أنّ النظر يحتاج إلى شيئين: العين المبصرة، وشعاع الشمس، بحيث لو إنتفى واحد منهما فإنّ الرؤية لا تتحقّق، والآن يجب أن نفكّر: كيف حال الأفراد المحرومين من البصر والنّور؟ المشركون المصداق الواقعي لهذا، فقلوبهم عُميٌ ومحيطهم مليءٌ بالكفر وعبادة الأصنام، ولهذا السبب فهم في تيه وضياع. وعلى العكس فالمؤمنون بنظرهم إلى الحقّ، وإستلهامهم من نور الوحي وإرشادات الأنبياء عرفوا مسيرة حياتهم بوضوح.
4- هل أنّ خلق الله لكلّ شيء دليل على الجبر؟
إستدلّ جمعٌ من أتباع مدرسة الجبر أنّ جملة {الله خالق كلّ شيء} في الآية أعلاه لها من السعة بحيث تشمل حتّى عمل الأفراد، فالله خالق أعمالنا ونحن غير مختارين. يمكن أن نجيب على هذا القول بطريقين:
أوّلا: الجمل الأُخرى للآية تنفي هذا الكلام، لأنّها تلوم المشركين بشكل أكيد فإذا كانت أعمالنا غير إختيارية، فلماذا هذا التوبيخ؟! وإذا كانت إرادة الله أن نكون مشركين فلماذا يلومنا؟! ولماذا يسعى بالأدلّة العقليّة لتغيير مسيرتهم من الضلالة إلى الهداية؟ كلّ هذا دليل على أنّ الناس أحرار في إنتخاب طريقهم.
ثانيًا: إنّ الخالقية بالذات من مختصّات الله تعالى. ولا يتنافى مع إختيارنا في الأفعال، لأنّ ما نمتلكه من القدرة والعقل والشعور، وحتّى الإختيار والحرية، كلّها من عند الله، وعلى هذا فمن جهة هو الخالق بالنسبة لكلّ شيء وحتّى أفعالنا ومن جهة أُخرى نحن نفعل بإختيارنا، فهما في طول واحد وليس في عرض واُفق واحد، فهو الخالق لكلّ وسائل الأفعال، ونحن نستفيد منها في طريق الخير أو الشرّ.
فمثلا الذي يؤسّس معملا لتوليد الكهرباء أو لإنتاج أنابيب المياه، يصنعها ويضعها تحت تصرّفنا، فلا يمكن أن نستفيد من هذه الأشياء إلاّ بمساعدته، ولكن بالنتيجة يكون التصميم النهائي لنا، فيمكن أن نستفيد من الكهرباء لإمداد غرفة عمليات جراحية وإنقاذ مريض مشرف على الموت، أو نستخدمها في مجالس اللهو والفساد، ويمكن أن نروي بالماء عطش إنسان ونسقي وردًا جميلا، أو نستخدم الماء في إغراق دور الناس وتخريبها. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} قوله جلّ ذكره: {قُل مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأِنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا}.
سَلْهُمْ- يا محمد- مَنْ موجِدُ السموات والأرض ومُقَدِّرُها، ومُخْتَرعُ ما يحدث فيها ومدبِّرها؟ فإِنْ أَسْكَتهُمْ عن الجواب ما استكَنَّ في قلوبهم مِنَ الجهلِ فقُلْ الله منشيها ومجريها.
ثم قال: {أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}: يعني الأصنام، وهي جمادات لا تملك لنفسها نَفْعًا ولاَ ضَرًّا، ويلتحق في المعنى بها كلُّ مَنْ هو موسومٌ برقم الحدوث، فَمَنْ علَّقَ قلبَه بالحدثان ساوَى- مِنْ وجهٍ- مَنْ عَبَدَ الأصنام، قال تعالى: {وَمَأ يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} [يوسف: 106].
قوله جلّ ذكره: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الأَعْمَى وَالبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِى الظُّلُمَاتُ والنُّورُ}.
الأعمى مَنْ على بصيرته غشاوة وحجبة، والبصيرُ مَنْ كَحَّلَ الحقُّ بصيرة سِرِّه بنور التوحيد.. لا يستويان!
ثم هل تستوي ظلماتُ الشِّرك وأنوارُ التوحيد؟ ومن جملة النور الخروجُ إلى ضياء شهود التقدير.
قوله جلّ ذكره: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شيء وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ}.
أي لو كان له شريك لَوَجَبَ أن يكون له نِدٌّ مُضاهٍ وفي جميع الأحكام له موازٍ ولم يجدِ حينئذٍ التمييزُ بين فِعْلَيْهِما.
وكذلك لو كان له ندٌّ.. فإنَّ إثباتَهما شيئين اثنين يوجِب اشتراكَهما في استحقاق كل وصف، وأن يكون أحدهما كصاحبه أيضًا مستحقًا له، وهذا يؤدي إلى ألا يُعْرَفَ المَحَلُّ... وذلك محال.
قوله جلّ ذكره: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شيء وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ}.
{وَكُلُّ شَئٍ} تدخل فيه المخلوقات بصفاتها وأفعالها، والمخاطِبُ لا يدخل في الخطاب.
{وَهُوَ الوَاحِدُ}: الذي لا خَلَفَ عنه ولا بَدَل، الواحد الذي في فضله منزه عن فضل كل أحد، فهو الكافي لكلِّ أحد، ويستعين به كل أحد.
و{الْقَهَّارُ}: الذي لا يجري بخلاف حُكْمِه- في مُلْكِه- نَفَسٌ. اهـ.